0748Dhahabi.TarikhIslam.MGR20180917-ara1.87473


رؤيا عاتكة

قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس.

(ح) قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة قالا: رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاري على قريش مكة بثلاث ليال، رؤيا، فأصبحت عاتكة فأعظمتها، فبعثت إلى أخيها العباس فقالت له: يا أخي لقد رأيت الليلة رؤيا ليدخلن منها على قومك شر وبلاء. فقال: وما هي؟ قالت: رأيت فيما يرى النائم أن رجلا أقبل على بعير له فوقف بالأبطح فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فاجتمعوا إليه، ثم أري بعيره دخل به المسجد واجتمع الناس إليه. ثم مثل به بعيره فإذا هو على رأس الكعبة، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أري بعيره مثل به على رأس أبي قبيس، فقال: انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت في أسفله ارفضت فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها.

فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا، فاكتميها. فقالت: وأنت فاكتمها، لئن بلغت هذه قريشا ليؤذننا.

فخرج العباس من عندها، فلقي الوليد بن عتبة - وكان له صديقا - فذكرها له واستكتمه. فذكرها الوليد لأبيه، فتحدث بها، ففشا الحديث. فقال العباس: والله إني لغاد إلى الكعبة لأطوف بها، فإذا أبو جهل في نفر يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: يا أبا الفضل [جـ١، صـ٤٤] 📖 تعال. فجلست إليه فقال: متى حدثت هذه النبية فيكم؟ ما رضيتم يا بني عبد المطلب أن ينبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم، سنتربص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة، فإن كان حقا فسيكون، وإلا كتبنا عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.

قال: فوالله ما كان إليه مني من كبير، إلا أني أنكرت ما قالت، وقلت: ما رأت شيئا ولا سمعت بهذا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقلن: صبرتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، فلم يكن عندك في ذلك غير. فقلت: قد والله صدقتن وما كان عندي في ذلك من غير إلا أني أنكرت. ولا تعرضن له، فإن عاد لأكفينه.

فغدوت في اليوم الثالث أتعرض له ليقول شيئا فأشاتمه. فوالله إني لمقبل نحوه، وكان رجلا حديد الوجه، حديد النظر، حديد اللسان، إذ ولى نحو باب المسجد يشتد. فقلت في نفسي: اللهم العنه، كل هذا فرقا أن أشاتمه. وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو، وهو واقف بعيره بالأبطح؛ قد حول رحله وشق قميصه وجدع بعيره؛ يقول: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان، قد عرض لها محمد، فالغوث الغوث! فشغله ذلك عني، وشغلني عنه. فلم يكن إلا الجهاز حتى خرجنا، فأصاب قريشا ما أصابها يوم بدر. فقالت عاتكة.

ألم تكن الرؤيا بحق وجاءكم ✱ بتصديقها فل من القوم هارب
فقلتم - ولم أكذب - كذبت وإنما ✱ يكذبنا بالصدق من هو كاذب.

وقال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وكنا - أصحاب محمد - نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة [جـ١، صـ٤٥] 📖 عشر، كعدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، وما جازه إلا مؤمن. أخرجه البخاري.

وقال: سمعت البراء يقول: كان المهاجرون يوم بدر نيفا وثمانين. أخرجه البخاري.

وقال ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب، حدثني أسلم أبو عمران أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بالمدينة «: هل لكم أن نخرج فنلقى العير لعل الله يغنمنا؟ قلنا: نعم. فخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا أن نتعاد، ففعلنا، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فأخبرناه بعدتنا، فسر بذلك وحمد الله، وقال: عدة أصحاب طالوت.

وقال ابن وهب: حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم بدر بثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة كما خرج طالوت فدعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج فقال: «اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم. ففتح الله لهم، فانقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا.

وقال أبو إسحاق عن البراء قال: لم يكن يوم بدر فارس غير المقداد.

وقال أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب: إن عليا قال: لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا أحد إلا وهو نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح، ولقد رأيتنا وما منا أحد فارس يومئذ إلا المقداد. رواه شعبة عنه.

ومن وجه آخر عن علي، قال: ما كان معنا إلا فرسان. فرس للزبير [جـ١، صـ٤٦] 📖 وفرس للمقداد بن الأسود.

وعن إسماعيل بن أبي خالد، عن البهي قال: كان يوم بدر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسان، الزبير على الميمنة، والمقداد على الميسرة.

وقال عروة: كان على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيما الزبير.

وقال حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: كنا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير، فكان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فكان إذا حانت عقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولان له: اركب حتى نمشي. فيقول: إني لست بأغنى عن الأجر منكما، ولا أنتما بأقوى على المشي مني.

المشهور عند أهل المغازي: مرثد بن أبي مرثد الغنوي بدل أبي لبابة. فإن أبا لبابة رده النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخلفه على المدينة.

وقال معمر: سمعت الزهري يقول: لم يشهد بدرا إلا قرشي أو أنصاري أو حليف لهما.

وعن الحسن، قال: كان فيهم اثنا عشر من الموالي.

وقال عمرو العنقزي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي قال: أخذنا رجلين يوم بدر. أحدهما عربي والآخر مولى، فأفلت العربي وأخذنا المولى؛ مولى لعقبة بن أبي معيط؛ فقلنا: كم هم؟ قال: كثير عددهم شديد بأسهم. فجعلنا نضربه. حتى انتهينا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأبى أن يخبره. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كم ينحرون من الجزر؟ فقال: في كل يوم عشرا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : القوم ألف، لكل جزور مائة.

وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، أن سعد [جـ١، صـ٤٧] 📖 ابن معاذ قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا نبني لك عريشا، فتكون فيه، وننيخ لك ركائبك ونلقى عدونا، فإن أظهرنا الله عليهم فذاك، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا. فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا منهم، ولو علموا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، ويوادونك وينصرونك. فأثنى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرا ودعا له. فبني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عريش، فكان فيه وأبو بكر ما معهما غيرهما.

وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، سمع ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه كان أحب إلي مما عدل به: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون»، ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن بين يديك ومن خلفك، قال: فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرق لذلك، وسره.

وقال مسلم وأبو داود: حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ندب أصحابه فانطلق إلى بدر، فإذا هم بروايا قريش، فيها عبد أسود لبني الحجاج، فأخذه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يسألونه: أين أبو سفيان؟ فيقول: والله مالي بشيء من أمره علم، ولكن هذه قريش قد جاءت، فيهم أبو جهل، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف. قال: فإذا قال لهم ذلك ضربوه. فيقول: دعوني دعوني أخبركم. فإذا تركوه قال كقوله سواء. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يسمع ذلك. فلما انصرف قال: والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم. هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان.

قال أنس: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا مصرع فلان غدا؛ ووضع يده على [جـ١، صـ٤٨] 📖 الأرض. وهذا مصرع فلان؛ ووضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان، ووضع يده على الأرض.

قال: والذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يده - صلى الله عليه وسلم - . قال: فأمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأرجلهم، فسحبوا فألقوا في قليب بدر. صحيح.

وقال حماد أيضا، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة - كذا قال، والمعروف ابن معاذ - فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها. ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا. وساق الحديث المذكور قبل هذا. أخرجه مسلم.

ورواه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة أخصر منه عن ثابت، عن أنس: حدثنا عمر قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا عن مصارع القوم بالأمس: هذا مصرع فلان - إن شاء الله - غدا، هذا مصرع فلان - إن شاء الله - غدا. فوالذي بعثه بالحق، ما أخطأوا تلك الحدود، وجعلوا يصرعون حولها. ثم ألقوا في القليب.

وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا. فقلت: يا رسول الله أتكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يردوا علي.

وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمرة يصلي ويبكي، حتى أصبح. [جـ١، صـ٤٩] 📖

وقال أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال: أخبرني إسماعيل بن عون بن عبيد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت لأنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعل، فجئت فإذا هو ساجد يقول: «يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم»، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول أيضا. غريب.

وقال الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: ما سمعت مناشدا ينشد حقا أشد من مناشدة محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر؛ جعل يقول: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد»، ثم التفت وكأن شق وجهه القمر؛ فقال: كأنما أنظر إلى مصارع القوم عشية.

وقال خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبته يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا». فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك؛ وهو في الدرع. فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر» أخرجه البخاري.

وقال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل سماك الحنفي، قال: حدثني ابن عباس، عن عمر قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه، مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله - عز وجل - [جـ١، صـ٥٠] 📖 «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين» فأمده الله بالملائكة. فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس: أقدم حيزوم. إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع. فجاء الأنصاري، فحدث ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين. أخرجه مسلم.

وقال سلامة بن روح، عن عقيل، حدثني ابن شهاب قال: قال أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال أبو أسيد الساعدي بعدما ذهب بصره: يا ابن أخي، والله لو كنت أنا وأنت ببدر، ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة، غير شك ولا تمار.

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وحدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا أبا بكر أبشر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض، تغيب عني ساعة ثم طلع، على ثناياه النقع يقول: «أتاك نصر الله إذ دعوته».

وقال عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب. أخرجه البخاري.

وقال موسى بن يعقوب الزمعي: حدثني أبو الحويرث، قال: حدثني محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليا - رضي الله عنه - ، خطب الناس فقال: بينما أنا أمتح من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت، [جـ١، صـ٥١] 📖 ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها. فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة، وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة. وجاءت ريح ثالثة كان فيها إسرافيل في ألف. فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرسه، فجرت بي، فوقعت على عقبي، فدعوت الله فأمسكت. فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا، وأشار إلى إبطه. غريب. وموسى فيه ضعف. وقوله: «حملني على فرسه» لا يعرف إلا من هذا الوجه.

وقال يحيى بن بكير. حدثني محمد بن يحيى بن زكريا الحميري، قال: حدثنا العلاء بن كثير، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، قال: حدثني أبو أمامة بن سهل قال: قال أبي: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.

وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا. ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر. وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا.

وجاء في قوله تعالى: «إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا»؛ ذكر الواقدي، عن إبراهيم بن أبي حبيبة؛ حدثه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس، يثبتونهم، فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا. إلى غير ذلك من القول.

وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي قال: لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - [جـ١، صـ٥٢] 📖 يتخبر عن بدر. فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر - وهي بئر - فسبقنا المشركين إليها. فوجدنا فيها رجلين: رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه. حتى انتهوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد أن يخبره كم هم فأبى. ثم سأله: كم ينحرون كل يوم من الجزور؟ فقال: عشرة. فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : القوم ألف، كل جزور بمائة وتبعها.

ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها. وبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه ويقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض». فلما طلع الفجر نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الصلاة جامعة. فجاء الناس من تحت الشجر والحجف والجرف فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحض على القتال. ثم قال: إن جمع قريش عند هذه الضلع الحمراء من الجبل. فلما دنا القوم منا وضايقناهم إذا رجل منهم يسير في القوم على جمل أحمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا علي ناد لي حمزة - وكان أقربهم من المشركين - من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن يك في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر، فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول: يا قوم إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير. يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة، وقد تعلمون أني لست بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول [جـ١، صـ٥٣] 📖 هذا لأعضضته. قد ملئت جوفك رعبا، فقال: إياي تعني يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا أجبن؟ فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه حمية. فقال: من يبارز؟ فخرج من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة، وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة. وجرح عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين. فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيرا فقال الرجل: إن هذا والله ما أسرني، ولقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها، على فرس أبلق، ما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله. فقال: «اسكت ، فقد أيدك الله بملك كريم». قال: فأسر من بني عبد المطلب: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث.

وقال إسحاق بن منصور السلولي: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. فأسرنا رجلا فقلت: كم كنتم؟ قال: ألفا.

وقال سلميان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض. قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله عرضها السموات والأرض؟ فقال: نعم. قال: بخ بخ! قال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها. فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بهن، ثم قاتل حتى قتل. أخرجه مسلم.

وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه؛ قال: [جـ١، صـ٥٤] 📖 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين اصطففنا يوم بدر: «إذا أكثبوكم؛ يعني إذا غشوكم، فارموهم بالنبل، واستبقوا نبلكم». أخرجه البخاري.

وروى عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة بن الزبير قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعار المهاجرين يوم بدر: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله. وسمى خيله: خيل الله.

أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام، وابنة عمه ست الأهل بنت علوان - سنة ثلاث وتسعين - وآخرون قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه، قال: أخبرتنا شهدة بنت أحمد، قالت: أخبرنا الحسين بن طلحة، قال: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن مهدي، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمود بن خداش، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو هاشم عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر - رضي الله عنه - يقسم قسما: «هذان خصمان اختصموا في ربهم»؛ إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنهم - وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة.

أخرجه البخاري عن يعقوب الدورقي وغيره. ومسلم عن عمرو بن زرارة، عن هشيم، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرماني الواسطي، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السدوسي البصري. وهو من الأبدال العوالي.

وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، أمه ثقفية، وكان أسن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشر سنين، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت. وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين. وكان عبيدة كبير المنزلة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان مربوعا مليحا، توفي بالصفراء. وهو الذي بارز عتبة بن ربيعة، فاختلفا ضربتين، كلاهما [جـ١، صـ٥٥] 📖 أثبت صاحبه، كما تقدم. وقد جهزه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ستين راكبا من المهاجرين أمره عليهم؛ فكان أول لواء عقده النبي - صلى الله عليه وسلم - لواء عبيدة. فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة، فكان أول قتال في الإسلام. قاله محمد بن إسحاق.

وقال ابن إسحاق وغيره عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن المستفتح يوم بدر أبو جهل. قال لما التقى الجمعان: «اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة». فقتل، ففيه أنزلت: «إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح».

وقال معاذ بن معاذ: حدثنا شعبة، عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنسا يقول: قال أبو جهل: «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم»، فنزلت: «وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون». متفق عليه.

وعن ابن عباس في قوله: «وما لهم ألا يعذبهم الله»، قال: يوم بدر بالسيف. قاله عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عنه.

وبه عنه في قوله: «وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين» قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام - كذا قال - فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير، فسبقت العير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين. وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة وأحضر مغنما. [جـ١، صـ٥٦] 📖

فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد القوم، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا. فأذهب الله عنهم رجز الشيطان. وصار الرمل - يعني ملبدا - وأمدهم الله بألف من الملائكة. وجاء إبليس في جند من الشياطين، معه رايته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال للمشركين: «لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم» فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره.

ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فقال: يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا. فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم. فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولى مدبرا وشيعته. فقال الرجل: يا سراقة، أما زعمت أنك لنا جار؟ قال: «إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله».

وقال يوسف بن الماجشون، أخبرنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: إني لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل؟ قلت: نعم ، وما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك. فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم [جـ١، صـ٥٧] 📖 أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه. ثم انصرفا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه. فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. قال: فنظر في السيفين، فقال، كلاهما قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو، والآخر معاذ بن عفراء. متفق عليه.

وقال زهير بن معاوية: حدثنا سليمان التيمي، حدثني أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال: أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته. فقال: هل فوق رجل قتلتموه، أو قتله قومه؟ أخرجه البخاري ومسلم.

وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن عبد الله أنه أتى أبا جهل فقال: قد أخزاك الله. فقال: هل أعمد من رجل قتلتموه؟ أخرجه البخاري.

وقال عثام بن علي: حدثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع، وعليه بيضة، ومعه سيف جيد، ومعي سيف رث. فجعلت أنقف رأسه بسيفي، وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة، حتى ضعفت يده، فأخذت سيفه. فرفع رأسه فقال: على من كانت الدبرة، لنا أو علينا؟ ألست رويعينا بمكة؟ قال: فقتلته. ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: قتلت أبا جهل. فقال: آلله الذي لا إله إلا هو؟ فاستحلفني ثلاث مرار. ثم قام معي إليهم، فدعا عليهم. [جـ١، صـ٥٨] 📖

وروي نحوه عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق. وفيه: فاستحلفني وقال: الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه. فانطلقت فأريته. فقال: هذا فرعون هذه الأمة.

وروي عن أبي إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه قتله خر ساجدا.

وقال الواقدي: وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مصرع ابني عفراء فقال: يرحم الله ابني عفراء، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر. فقيل: يا رسول الله، ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة، وابن مسعود قد شرك في قتله.

وقال أبو نعيم: حدثنا سلمة بن رجاء، عن الشعثاء؛ امرأة من بني أسد، قالت: دخلت على عبد الله بن أبي أوفى، فرأيته صلى الضحى ركعتين، فقالت له امرأته: إنك صليت ركعتين. فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل.

وقال مجالد، عن الشعبي أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني مررت ببدر، فرأيت رجلا يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج، فيفعل به مثل ذلك مرارا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة».

وقال البخاري ومسلم من حديث ابن أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس، عن أبي طلحة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث، أمر براحلته فشد عليها، ثم مشى واتبعه أصحابه، فقالوا: ما نراه إلا ينطلق لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء [جـ١، صـ٥٩] 📖 آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.

قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة. صحيح.

وقال هشام، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف على قليب بدر فقال: إنهم ليسمعون ما أقول. قال عروة: فبلغ عائشة فقالت: ليس هكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إنما قال: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق. إنهم قد تبوؤوا مقاعدهم من جهنم. إن الله يقول: «إنك لا تسمع الموتى» «وما أنت بمسمع من في القبور. إن أنت إلا نذير» أخرجه البخاري.

ما روت عائشة لا ينافي ما روى ابن عمر وغيره، فإن علمهم لا يمنع من سماعهم قوله - عليه السلام - ، وأما إنك لا تسمع الموتى، فحق لأن الله أحياهم ذلك الوقت كما يحيي الميت لسؤال منكر ونكير.

وقال عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: «بدلوا نعمة الله كفرا»؛ قال: هم كفار قريش. «وأحلوا قومهم دار البوار»؛ قال: النار يوم بدر. أخرجه البخاري.

وقال إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القتلى قيل له: عليك العير ليس دونها شيء. فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك. قال: لم؟ قال: لأن الله - عز وجل - وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك. هذا إسناد صحيح، ورواه جعفر بن محمد بن شاكر، عن أبي نعيم، عنه. [جـ١، صـ٦٠] 📖

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني خبيب بن عبد الرحمن قال: ضرب خبيب بن عدي يوم بدر فمال شقه، فتفل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولأمه ورده، فانطبق.

أحمد بن الأزهر: حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس أو غيره قال: شهد عمير بن وهب الجمحي بدرا كافرا، وكان في القتلى. فمر به رجل فوضع سيفه في بطنه، فخرج من ظهره. فلما برد عليه الليل لحق بمكة فصح. فاجتمع هو وصفوان بن أمية فقال: لولا عيالي وديني لكنت الذي أقتل محمدا. فقال صفوان: وكيف تقتله؟ قال: أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك. قال: عيالك في عيالي ودينك علي. فانطلق فشحذ سيفه وسمه. وأتى المدينة، فرآه عمر فقال للصحابة: احفظوا أنفسكم فإني أخاف عميرا إنه رجل فاتك، ولا أدري ما جاء به. فأطاف المسلمون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجاء عمير، متقلدا سيفه، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنعم صباحا. قال: ما جاء بك يا عمير؟ قال: حاجة. قال: فما بال السيف؟ قال: قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت. قال: فما قولك لصفوان وأنت في الحجر؟ وأخبره بالقصة. فقال عمير: قد كنت تحدثنا عن خبر السماء فنكذبك، وأراك تعلم خبر الأرض. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. بأبي أنت وأمي، أعطني منك علما يعلم أهل مكة أني أسلمت. فأعطاه. فقال عمر: لقد جاء عمير وإنه لأضل من خنزير، ثم رجع وهو أحب إلي من ولدي.

وقال يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثنا عكاشة الذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه جذلا من حطب، فقال: قاتل بهذا. فلما أخذه هزه فعاد سيفا في يده، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة. فقاتل بها، حتى فتح الله على رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى قتل في قتال أهل الردة وهو عنده. وكان ذلك السيف يسمى القوي. [جـ١، صـ٦١] 📖

هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند.

وقد رواه الواقدي قال: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، عن عمته قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر، فأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا، فإذا هو سيف أبيض طويل. فقاتلت به.

وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن داود بن الحصين، عن جماعة قالوا: انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضيبا كان في يده من عراجين، فقال: اضرب به. فإذا هو سيف جيد. فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد.

- ذكر غزوة بدر

من مغازي موسى بن عقبة فإنها من أصح المغازي

قد قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثني مطرف ومعن وغيرهما أن مالكا كان إذا سئل عن المغازي قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنه أصح المغازي.

قال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: قال ابن شهاب. (ح). وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة - وهذا لفظه - عن عمه موسى بن عقبة قال: مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قتل ابن [جـ١، صـ٦٢] 📖 الحضرمي شهرين. ثم أقبل أبو سفيان في عير لقريش، ومعه سبعون راكبا من بطون قريش؛ منهم: مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، وكانوا تجارا بالشام، ومعهم خزائن أهل مكة، ويقال: كانت عيرهم ألف بعير. ولم يكن لقريش أوقية فما فوقها إلا بعثوا بها مع أبي سفيان؛ إلا حويطب بن عبد العزى، فلذلك تخلف عن بدر فلم يشهدها. فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك، فبعث عدي بن أبي الزغباء الأنصاري، وبسبس بن عمرو، إلى العير، عينا له، فسارا، حتى أتيا حيا من جهينة، قريبا من ساحل البحر، فسألوهم عن العير، فأخبروهما بخبر القوم. فرجعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه. فاستنفر المسلمين للعير. في رمضان.

وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من المسلمين، فسألهم فأخبروه خبر الراكبين، فقال أبو سفيان: خذوا من بعر بعيريهما. ففته فوجد النوى فقال: هذه علائف أهل يثرب. فأسرع وبعث رجلا من بني غفار يقال له: ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه. وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم؛ فذكر رؤيا عاتكة، إلى أن قال: فقدم ضمضم فصاح: يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان. ففزعوا، وأشفقوا من رؤيا عاتكة، ونفروا على كل صعب وذلول. وقال أبو جهل: أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة؟ سيعلم أنمنع عيرنا أم لا؟

فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل، وساقوا مائة فرس، ولم يتركوا كارها للخروج. فأشخصوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وأخاه عقيلا، إلى أن نزلوا الجحفة.

فوضع جهيم بن الصلت بن مخرمة المطلبي رأسه فأغفى، ثم نزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا. قالوا: لا، إنك مجنون. فقال: قد وقف علي فارس فقال: قتل أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وزمعة، وأبو البختري، وأمية بن خلف، فعد جماعة. فقالوا: إنما لعب بك الشيطان. فرفع حديثه إلى أبي جهل فقال: قد جئتمونا بكذب بني المطلب [جـ١، صـ٦٣] 📖 مع كذب بني هاشم، سترون غدا من يقتل.

وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب العير، فسلك على نقب بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع. فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا. وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام.

فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد. وكان زميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، ليس مع الثلاثة إلا بعير واحد. فساروا، حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة، فسألوه عن أبي سفيان فقال: لا علم لي به. فقالوا: سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال: وفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم. وأشاروا إليه. فقال له: أنت رسول الله؟ قال: نعم. قال: إن كنت رسول الله فحدثني بما في بطن ناقتي هذه. فغضب سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري فقال: وقعت على ناقتك فحملت منك. فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال سلمة فأعرض عنه.

ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أشيروا علينا. فقال أبو بكر: أنا أعلم بمسافة الأرض. أخبرنا عدي بن أبي الزغباء أن العير كانت بوادي كذا .

وقال عمر: يا رسول الله، إنها قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت. والله لتقاتلنك، فتأهب لذلك.

فقال: أشيروا علي.

قال المقداد بن عمرو: إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى: «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون»، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون.

فقال: أشيروا علي. [جـ١، صـ٦٤] 📖

فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه، أو قال: أن لا يستجلبوا معه على ما يريد، فقال: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك. ولا يرونها حقا عليهم، إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم. وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذته منا أحب إلينا مما تركته علينا. فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن لسرنا معك.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيروا على اسم الله - عز وجل - فإني قد أريت مصارع القوم. فعمد لبدر.

وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر، وأحرز ما معه، فأرسل إلى قريش، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة، فأبوا وعصوه. فرجع ببني زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل.

ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أدنى شيء من بدر. ثم بعث عليا والزبير وجماعة يكشفون الخبر. فوجدوا وارد قريش عند القليب، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير، فطفقا يحدثانهم عن قريش، فضربوهما. وذكر الحديث، إلى أن قال: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشيروا علي في المنزل.

فقام الحباب بن المنذر السلمي: أنا يا رسول الله عالم بها وبقلبها؛ إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة، فتنزل عليها وتسبق القوم إليها ونغور ما سواها .

فقال: سيروا. فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين.

فوقع في قلوب ناس كثير الخوف. فتسارع المسلمون والمشركون إلى [جـ١، صـ٦٥] 📖 الماء، فأنزل الله تلك الليلة مطرا واحدا؛ فكان علي المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم الأرض، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل. فاقتحم القوم في القليب فماحوها حتى كثر ماؤها. وصنعوا حوضا عظيما ثم غوروا ما سواه من المياه.

ويقال: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسان، على أحدهما: مصعب بن عمير، وعلى الآخر سعد بن خثيمة. ومرة الزبير بن العوام، والمقداد.

ثم صف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحياض. فلما طلع المشركون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما زعموا - «اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك». واستنصر المسلمون الله واستغاثوه، فاستجاب الله لهم.

فنزل المشركون وتعبؤوا للقتال، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم.

قال: فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت؟ قال: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس وتحمل دية ابن الحضرمي، وبما أصاب محمد في تلك العير، فإنهم لا يطلبون من محمد غيرها. قال عتبة: نعم قد فعلت، ونعما قلت، فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها. فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك.

وركب عتبة جملا له، فسار عليه في صفوف المشركين فقال: يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل؛ فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحنا وضغائن. وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم. وإن كان نبيا لم تقتلوا النبي فتسبوا به. ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادكم، ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم. [جـ١، صـ٦٦] 📖

فحسده أبو جهل على مقالته. وأبى الله إلا أن ينفذ أمره. وعتبة يومئذ سيد المشركين.

فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي - وهو أخو المقتول - فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها. أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه، وفيهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم. وقال لعتبة: انتفخ سحرك. وأمر النساء أن يعولن عمرا، فقمن يصحن: واعمراه وا عمراه؛ تحريضا على القتال.

وقام رجل فتكشفوا؛ يعيرون بذلك قريشا. فأخذت قريش مصافها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال: فأسر نفر ممن أوصى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقتلوهم إلا أبا البختري، فإنه أبى أن يستأسر، فذكروا له أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر، فأبى. ويزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري. ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله. بل قتله أبو داود المازني.

قال: ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا، بينه وبين المعركة غير كثير، مقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح، ولا يستطيع أن يحرك منه عضوا، وهو منكب ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه، وأبو جهل مقنع بالحديد، فلما أبصره لا يتحرك ظن أنه مثبت جراحا، فأراد أن يضربه بسيفه، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا، فأتاه من ورائه، فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح، وأبصر في عنقه خدرا، وفي يديه [جـ١، صـ٦٧] 📖 وفي كتفيه كهيئة آثار السياط، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ذلك ضرب الملائكة.

قال: وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين، فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر. وكان ذلك يوم الفرقان؛ يوم فرق الله بين الشرك والإيمان.

وقالت اليهود: تيقنا أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة. والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت.

وأقام أهل مكة على قتلاهم النوح بمكة شهرا.

ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فدخل من ثنية الوداع.

ونزل القرآن فعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فقال: «كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون»، وثلاث آيات معها.

ثم ذكر موسى بن عقبة الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها.

وقال رجال ممن أسر: يا رسول الله، إنا كنا مسلمين، وإنما أخرجنا كرها، فعلام يؤخذ منا الفداء؟ فنزلت: «قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا، مما أخذ منكم ويغفر لكم».

حذفت من هذه القصة كثيرا مما سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدم.

وقد ذكر هذه القصة - بنحو قول موسى بن عقبة - ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة، ولم يذكر أبا داود المازني في قتل أبي البختري. وزاد يسيرا. [جـ١، صـ٦٨] 📖

وقال هو وابن عقبة: إن عدد من قتل من المسلمين ستة من قريش، وثمانية من الأنصار. وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا، وأسر تسعة وثلاثون رجلا. كذا قالا.

وقال ابن إسحاق: استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار. وقتل من المشركين بضعة وأربعون، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيرا.

وقال الزهري عن عروة: هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر مثل ذلك.

ويشهد لهذا القول حديث البراء الذي في البخاري؛ قال: أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين يوم بدر أربعين ومائة؛ سبعين أسيرا وسبعين قتيلا. وأصابوا منا يوم أحد سبعين.

وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنته رقية أيام بدر. فجاء زيد بن حارثة - على العضباء - ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبشارة. قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى. فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بسهمه.

وقال عبدان بن عثمان: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن - رجل من أهل صنعاء - قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت، عليه خلقان جالس على التراب. قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال. فقال: أبشركم بما يسركم؛ إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأهلك عدوه، وأسر فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر، كثير الأراك، كأني أنظر إليه، كنت أرعى به لسيدي - رجل [جـ١، صـ٦٩] 📖 من بني ضمرة - إبله. فقال له جعفر: ما بالك جالس على التراب، ليس تحتك بساط، وعليك هذه الأخلاق؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى - عليه السلام - أن حقا على عباد الله أن يحدثوا تواضعا عندما ما أحدث لهم من نعمته. فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت له هذا التواضع.

ذكر مثل هذه الحكاية الواقدي في مغازيه بلا سند.